حين يُسلِّم الوالدان طفلهما لأول مرة عند بوابة الروضة، تتأرجح في أذهانهما مشاعر متباينة بين الأمل والخوف، وبين الثقة والقلق. البعض يرى الروضة كمنارة تُضيء طريق طفله نحو النجاح، والبعض الآخر يراها ساحة اختبار لا تُجيد إلا كشف العيوب. هنا تتجلّى عقلية أولياء الأمور بأوضح صورها: منهم من يبحث عن الكمال، ومنهم من يتقبّل التحديات، بينما آخرون يقفون في منطقة وسطى، متأرجحين بين النقد والقبول. هذه العقلية ليست مجرد وجهة نظر، بل هي العامل الخفي الذي يُشكّل تصوّرهم عن الروضة، ويدفعهم إمّا إلى رفعها إلى القمة أو خفضها إلى القاع. 

في هذا الموضوع، سنتعمق في فهم عقلية أولياء الأمور تجاه مرحلة رياض الأطفال، وكيف تؤثر تصوراتهم ومواقفهم على تقييمهم ومستوى رضاهم.

1- عقلية التوقعات العالية

بعض أولياء الأطفال يضعون توقعات مرتفعة جدًا تجاه الروضة، معتبرين أنها يجب أن تقدم خدمات متكاملة وبشكل مثالي جدا، تتجاوز الجانب التعليمي لتشمل توفير بيئة مثالية تغني عن دور الأسرة في تربية الطفل. هذه العقلية قد تدفع إلى انتقاد الروضة بشدة إذا لم تلبِّ هذه التوقعات، مثل عدم كفاية الأنشطة الترفيهية، أو ضعف التواصل مع الأطفال، أو حتى قلة المرونة في التعامل مع الأولياء.

2- عقلية المقارنة 

يلجأ بعض الأولياء إلى مقارنة خدمات الروضة بخدمات روضات أخرى أو بتجارب دول متقدمة، خاصة في ظل انتشار وسائل التواصل الاجتماعية وما يتم نشره . هذه المقارنة قد تكون غير منصفة، حيث تختلف إمكانيات الروضات من الناحية المالية واللوجستية. وقد يولّد هذا الفارق شعورًا بالإحباط لدى الأولياء، يدفعهم إلى توجيه الانتقادات بشكل مستمر بعيدا عن المنطق والواقعية .

3- عقلية الاعتماد الكلي على الروضة

هناك أولياء يعتبرون أن دور الروضة يتجاوز دورها التربوي، وينتظرون منها أن تقوم بتعليم الطفل كل شيء، من القيم الأخلاقية إلى العادات السلوكية وحتى المهارات الأكاديمية، بينما يتخلّون عن جزء من مسؤولياتهم التربوية. وعندما تواجه الروضة صعوبة في تحقيق هذه المطالب المبالغ فيها، يظهر التذمر من قبل الأولياء وعدم الرضا التام حتى وان كانت الروضة تقدم خدماتجيدة وموفقة في تحقيق اهدافها.

4- عقلية الحماية الزائدة

بعض الأولياء يتعاملون مع الروضة بعقلية الحماية الزائدة (Overprotective)، حيث يبدون حساسية مفرطة تجاه أي موقف يتعرض له طفلهم داخل الروضة. قد ينتقدون أسلوب المعلمات، طرق التعليم، أو حتى زملاء الطفل في الروضة، اعتقادًا منهم أن طفلهم بحاجة إلى معاملة خاصة تفوق غيره.

أسباب انتقاد الأولياء للروضة  من منظور نفسي واجتماعي

– القلق على الطفل: تعتبر هذه العقلية انعكاسًا لحب الآباء لأطفالهم وخوفهم على مستقبلهم. هذا القلق يجعلهم يميلون إلى النقد كوسيلة للبحث عن الأفضل.

– ضعف التواصل بين الروضة والأولياء: عندما لا تقدم الروضة تقارير دورية حول تطور الطفل أو توضح طبيعة البرامج التعليمية، قد يؤدي ذلك إلى شعور الأولياء بالغموض وعدم الرضا عن الخدمات المقدمة مقابل مايتم دفعه.

– عدم فهم طبيعة دور الروضة: قد تكون بعض الانتقادات نتيجة لجهل الأولياء بطبيعة الأهداف التربوية للروضة، التي تركز غالبًا على تنمية المهارات الاجتماعية والعاطفية أكثر من الأكاديمية.

كيفية التعامل مع عقلية النقد المستمر من طرف الأولياء

– تعزيز التواصل مع الأولياء: يجب على إدارة الروضة فتح قنوات اتصال فعالة مع الأولياء لتوضيح أهدافها وبرامجها وتقديم تغذية راجعة منتظمة عن تطور الأطفال.

– إشراك الأولياء في العملية التربوية: ضرورة تنظيم لقاءات أو ورش عمل لزيادة وعي الأولياء بدور الروضة وحدود مسؤوليتها، مما يقلل من الانتقادات غير المبررة.

– السعي الى تحسين جودة الخدمات: تقديم خدمات تربوية وتعليمية متكاملة تراعي احتياجات الأطفال وتطلعات أوليائهم سيقلل من احتمالات النقد بشكل مستمر.

– التعامل بحكمة مع الانتقادات: يجب على إدارة الروضة تقبل النقد البناء والعمل على معالجته، مع تجاهل الانتقادات غير المنطقية واللامشروعة  التي قد تكون نابعة من مشاعر شخصية.

في الاخير لابد ان تعرف ان انتقاد أولياء الأطفال لخدمات الروضة هو أمر طبيعي يعكس رغبتهم في تحقيق الأفضل لأطفالهم. غير أن تحقيق التوازن بين توقعات الأولياء وإمكانيات الروضة يتطلب جهودًا مشتركة، حيث يصبح النقد أداة لتحسين الأداء بدلًا من أن يكون وسيلة للإحباط أو الخلاف المستمر مع ادارة الروضة . عقلية الأولياء يمكن أن تتحول من عقلية النقد السلبي إلى عقلية الشراكة الإيجابية إذا توفرت مساحة للتفاهم والحوار بين الطرفين بشكل فعال .