حذاري من ظاهرة إجراء الاختبارات للأطفال في التحضيري والتمهيدي: رؤية علمية
مؤسسة روضتي ديزاد
الجانب البيداغوجي للروضة
portrait-ecolier-devoirs-classe_484921-31692

تخيل طفلًا في الرابعة، يجلس مرتجفًا أمام ورقة اختبار، عيناه تملؤهما الحيرة، ودموعه على وشك السقوط… هذا ليس كابوسًا، بل واقع تفرضه بعض الروضات! اختبارات قاسية تسرق براءتهم، تزرع القلق بدل الفضول، وتحول التعلم إلى كابوس مبكر. فهل هذا هو المستقبل الذي نريده لأطفالنا؟!

تشهد العديد من المؤسسات التربوية، خاصة في مراحل الطفولة المبكرة، ظاهرة متزايدة تتمثل في إخضاع الأطفال في الروضة (التحضيري والتمهيدي) لاختبارات أكاديمية مقننة. يهدف هذا المقال إلى تقديم تحليل علمي من وجهة المختصين لهذه الظاهرة، من خلال مناقشة آثارها النفسية والتربوية، ومدى ملاءمتها للنمو المعرفي والانفعالي للأطفال في هذه المرحلةالحساسة .

اولا: أهمية مرحلة الطفولة المبكرة في التعلم

تعتبر الطفولة المبكرة مرحلة حرجة في النمو، حيث يتشكل خلالها الأساس المعرفي والعاطفي والاجتماعي للطفل. تشير الأبحاث في علم النفس التنموي إلى أن التعلم في هذه المرحلة يجب أن يكون قائمًا على الاستكشاف واللعب والتفاعل الاجتماعي، بدلًا من التركيز على التقييمات الأكاديمية الصارمة (Piaget, 1964; Vygotsky, 1978).

ثانيا: الاختبارات التقليدية مقابل التقييم التطويري

تستند الاختبارات التقليدية إلى معايير تقييم صارمة تركز على الأداء في المهارات الأكاديمية مثل القراءة والكتابة والحساب، بينما يعتمد التقييم التطويري على ملاحظة التقدم الفردي للطفل بناءً على قدراته وإمكاناته الشخصية. ويؤكد الباحثون أن استخدام التقييمات التنموية مثل الملاحظة المنظمة، وبطاقات التقييم التطويري، يعزز الفهم الأعمق لنمو الطفل مقارنة بالاختبارات الرسمية (National Association for the Education of Young Children, NAEYC, 2009).

ثالثا: الآثار النفسية للاختبارات في سن مبكرة

1. التوتر والقلق

يؤدي إخضاع الأطفال لاختبارات تقليدية إلى زيادة مستويات القلق لديهم، مما قد يؤثر سلبًا على دافعيتهم للتعلم (Elkind, 2007). الأطفال في هذه المرحلة ليس لديهم بعد القدرة الكاملة على التعامل مع الضغط التنافسي، مما قد يخلق لديهم مخاوف غير ضرورية تجاه التعلم.

2. التأثير على تقدير الذات

عندما يتم تقييم الطفل بناءً على نتائج الاختبارات فقط، قد تتشكل لديه صورة ذاتية سلبية إذا لم يحقق الأداء المتوقع، مما يؤثر على ثقته بنفسه في المستقبل (Bandura, 1997).

3. التأثير على الإبداع والتفكير النقدي

تشير الدراسات إلى أن التركيز على التحصيل الأكاديمي المبكر قد يحد من الفرص المتاحة للأطفال لتنمية مهارات الإبداع والتفكير النقدي، إذ يتم توجيههم لحفظ المعلومات بدلًا من استكشافها بطرق ذات معنى (Gray, 2013).

رابعا: المنظور التربوي: هل الاختبارات ضرورية؟

تؤكد التوجهات الحديثة في التربية على أهمية التعلم القائم على اللعب والتفاعل الاجتماعي بدلاً من التقييمات الأكاديمية الصارمة. وقد أوصت منظمات دولية مثل NAEYC وUNESCO بضرورة تجنب الاختبارات التقليدية في هذه المرحلة، واقتصار التقييم على أساليب غير رسمية مثل:

– الملاحظة المباشرة لسلوك الطفل وتفاعله مع البيئة.

– تقييم عينات العمل التي يقدمها الطفل مثل الرسم واللعب بالكلمات.

– التفاعل مع الطفل لمعرفة مدى تطوره في مجالات مختلفة مثل اللغة والمهارات الحركية والاجتماعية.

خامسا: البدائل المقترحة لتقييم الأطفال في الروضة

بدلًا من الاختبارات التقليدية، يمكن اعتماد طرق تقييم أكثر ملاءمة لنمو الأطفال مثل:

– التقييم القائم على اللعب: حيث يتم قياس مهارات الطفل من خلال مواقف طبيعية.

– السجلات القصصية: التي تسجل تطور الطفل في بيئته اليومية.

– التقييم القائم على المشاريع: حيث يُطلب من الأطفال تنفيذ أنشطة إبداعية تعكس قدراتهم الفعلية.

توصيات ضرورية

بناءً على الأدلة العلمية والتربوية، فإن إخضاع الأطفال في التحضيري والتمهيدي لاختبارات أكاديمية صارمة يعد ممارسة غير ملائمة لنموهم النفسي والتعليمي. ينبغي على المؤسسات التربوية ورياض الاطفال  تبني أساليب تقييم أكثر إنسانية وملاءمة للمرحلة العمرية، مثل التقييم التطويري القائم على اللعب والملاحظة. كما ينبغي توعية المعلمين وأولياء الأمور بأهمية دعم الأطفال في هذه المرحلة بطرق تعزز حب التعلم بدلاً من الضغط عليهم لتحقيق نتائج محددة.

المراجع

Bandura, A. (1997). Self-efficacy: The exercise of control. Freeman.

Elkind, D. (2007). The hurried child: Growing up too fast too soon. Da Capo Press.

Gray, P. (2013). Free to learn: Why unleashing the instinct to play will make our children happier, more self-reliant, and better students for life. Basic Books.

National Association for the Education of Young Children (NAEYC). (2009). Developmentally appropriate practice in early childhood programs.

Piaget, J. (1964). Cognitive development in children: Development and learning. Journal of Research in Science Teaching, 2(3), 176-186.

Vygotsky, L. S. (1978). Mind in society: The development of higher psychological processes. Harvard University Press.

شارك مع الأصدقاء

واتساب
فيسبوك
تليغرام
البريد الالكتروني

التصفح السريع للمواضيع

مواضيع ذات صلة

أوراق عمل مقترحة

تعليقات حول الموضوع

لا يوجد تعليقات

مواضيع ذات صلة

smiling-little-girl-with-hands-painted-colorful-paints-1536x1024.jpg
في روضة الأطفال، تتكامل الأنشطة الفنية والإبداعية كجزء أساسي من برنامج التعليم. توفر هذه الأنشطة للأطفال فرصة للتعبير عن أفكارهم ومشاعرهم بطرق مبتكرة،...
smiling-classmates-sitting-row-playground-1-1536x1024.jpg
تُعتبر فترة روضة الأطفال فترة حيوية لتطوير مجموعة متنوعة من المهارات، ومن بين هذه المهارات، تأتي المهارات الحركية لتلعب دوراً...
cheerful-little-girl-casual-clothes-playing-kindergarten-with-toys-1-1536x1024-1
في عملية تعلم الأطفال في روضة الأطفال، تلعب المفاهيم الرياضية دورًا حيويًا في بناء أسس تعلمهم المستقبلي. يمكن تعزيز هذه المفاهيم بشكل فعّال من خلال...
activite-educative-groupe-maternelle-garderie_290431-26593
في عالم التعليم، يُعَدُّ تنويع استراتيجيات التدريس أمرًا حيويًا لتحقيق أقصى استفادة من تجربة التعلم، وفي رياض الأطفال، يكتسب هذا الأمر أهمية...

أوراق عمل مقترحة

التصفح السريع

Select Field with Page Links
user pfp
تم نسخ الرابط

تم نسخ الرابط الى الحافظة بنجاح